«مرسال» و«مستشفى 25 يناير».. مواجهة كورونا بوعي مختلف

كتب موقع مدى

البعض هاجم سلوكيات المصريين في التعامل مع أزمة «كورونا»، أو عدم استجابة المجتمع للأزمة، ولكن توجد تجارب أهلية تحكي قصة مختلفة. لم تكن تلك التجارب وليدة الوباء، بل هي كائنة منذ سنوات، لكن ذاع صيت «مرسال» و«مستشفى 25 يناير» في الأزمة، وهما مؤسستين خيريتين غير هادفتين للربح تعملان في مجال الصحة، وعلاج المرضى دون أي تفرقة بينهم، وفي ظل انتشار فيروس كورونا المُستجد في مصر تضاعف نشاطهما في مساعدة المصابين، من حيث إجراء المسح وتوفير العلاج والرعاية المركزة للحالات التي في حاجة لها، كل ذلك بدون إعلانات تلفزيونية تحثّ الناس على التبرع

«مستشفى 25 يناير الخيري» مكان للفقراء 

تمّ إنشاء مؤسسة «مستشفى 25 يناير» على أساس استقبال المرضى الفقراء الذين لا حيلة لهم من أموال أو وسائط، وتقع المستشفى في قرية «الشبراوين» مركز ههيا بمحافظة الشرقية وهي المحافظة الأكبر في عدد السكان بعد محافظتي القاهرة والجيزة حيث يتخطى عدد سكانها السبعة مليون نسمة. جاءت فكرة إنشاء المستشفى -التي أسسها الصحفي محمد الجارحي- كحلم للتغيير عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، بدأ الحلم برغبته في إنشاء جمعية خيرية تخدم أهل قريته ثم تحوّل إلى مستشفى خيري بعد تجربة قاسية مرّ بها وهي وفاة نجله الصغير الذي كان عنده مشاكل صحية، بعد معاناة في البحث عن مكان له في المستشفيات. وبعد هذه التجربة، خطرت في بال الجارحي فكرة بناء مستشفى يقدم كافة الخدمات الطبية الأساسية بالمجان


ومنذ شهر يونيو 2011 -وحتى الآن- لم تتوقف مجهودات الجارحي في بناء المستشفى وشراء الأجهزة الطبية اللازمة لها، حيث اتخذ من فيسبوك وتويتر قناتين للتواصل مع الأصدقاء وكل مَن يرغبون في التبرع، بالإضافة إلى فكرة «تاكسي الخير» التي مكنته من تجميع التبرعات من محافظات مصر المختلفة، ومن ثم استطاع أن يشتري بها الأرض التي بُنيت عليها المستشفى. وعلى مدار تسع سنوات تمّ بناء المستشفى وتقسيمها لثمانية أدوار بين الاستقبال والطوارئ والصيدلية وحضانات الأطفال والعيادات في التخصصات الطبية المختلفة، وغرف عمليات ورعاية مركزة، ولكن أغلب تلك الخدمات غير مفعّلة داخل المستشفى حيث أن المكان لا يعمل بكامل طاقته، وحتى الآن لم يتمّ الافتتاح الرسمي لـ«مستشفى 25 يناير»، وفي ذات الوقت تسعى المؤسسة جاهدة لتوفير الخدمات المُلحة والضرورية للمرضى في أمكنة أخرى، مثل خدمة الرعاية المركزة اللازمة للكثير من الحالات المُصابة بـ«كورونا»، حيث قامت المؤسسة بإنشاء وحدة كاملة للرعاية المركزة في مستشفى ههيا المركزي وهي إحدى مستشفيات العزل.


يقول مؤسس «25 يناير» محمد الجارحي لـ«مدى مصر»: «تقوم المؤسسة حاليًا بالعديد من الأنشطة لمواجهة كورونا وعلى سبيل المثال، سحب العينات من المنزل للحالات المشتبه بها وحالات العزل المنزلي بالتنسيق مع إدارة مستشفيات العزل، وكذلك إجراء أشعة مقطعية وعادية على الصدر، بالإضافة إلى توفير شنطة الأدوية الأساسية والمقدمة للحالات المُصابة والمُشتبه بها بإشراف أطباء حميات، وتعقيم منازل المصابين والمخالطين بالتنسيق مع الصحة، وإنشاء وحدة رعاية مركزة بمستشفى ههيا المركزي وهو أحد مستشفيات العزل بمحافظة الشرقية، وتوفير طقم الحماية الطبية للعاملين في قطاع الصحة وقريبا للعاملين بالإسعاف على مستوى الشرقية، وتنظيم المتطوعين للتجمعات مثل صرف المعاشات وحملات التطعيم».


وعن إمكانية وجود مكان للعزل لمُصابي كورونا داخل المستشفى يقول الجارحي: «كانت المؤسسة أول مؤسسة تضع نفسها ومبانيها تحت أمر وتصرف وزارة الصحة، لاستخدام المستشفى في الشرقية للعزل، وكررنا الطلب للدكتور ممدوح غراب محافظ الشرقية لكن للأسف لا يوجد تمريض كاف لاستلام المبنى، ونحن على استعداد في أي وقت لتسليم المبنى للصحة لاستخدامه في علاج الحالات المصابة وكذلك التحمل بأي تكاليف». ويضيف: «كما أنه لا يوجد مكان للرعاية المركزة لأنه لم يتمّ افتتاح المستشفى بشكل كامل بعد، لذلك قمنا بإنشاء وتجهيز وحدة رعاية مركزة على بعد 7 كيلو متر من المستشفى في أحد مستشفيات العزل وهو مستشفى ههيا المركزي».

 

خلال أزمة كورونا وجدنا مخاوف من بعض الأطباء من أن يذهب شخص غير حامل للفيروس للكشف أو لعمل مسحة فيُصاب خلال تلك الرحلة بالفيروس نتيجة مخالطة مرضى آخرين أو الفريق الطبي، لهذا بدأت المؤسسة في التشغيل التجريبي لخدمة سحب العينات للتحاليل من المنازل يوم 7 يونيو الجاري، وذلك بالتعاقد مع أحد معامل التحاليل، وتتحمل المؤسسة كافة تكلفة التحاليل ولا يتحمل المريض أي شيء، ونفس الأمر سيكون في الأشعة المقطعية على الصدر، ومن المنتظر أن تتوسع تدريجيًا هذه الخدمة التي بدأت بقرية الشبراوين، ثم امتدت إلى مركز ههيا فبقية مراكز «الشرقية»، أما بخصوص الأولوية في السحب، فهو أمر يقرره الفريق الطبي المعاون، وأغلبه من المتطوعين

 

وعن دعم وزارة الصحة للمؤسسة يوضح الجارحي لـ «مدى مصر»: «كان هناك لقاء مع مديرة الإدارة الصحية في ههيا، وسبقه لقاءات مع مدير مستشفى ههيا ومديرة الوحدة الصحية بالشبراوين، وكل هؤلاء يمثلون وزارة الصحة، وكذلك مع هيئة الإسعاف بالشرقية وهناك تعاون كبير، ونأمل في زيادة هذا التعاون لخدمة أهالينا».

 

أما عمَنْ يتطوع أو يتقاضى أجرًا في المؤسسة، فيقول الجارحي: «مجلس أمناء المؤسسة متطوع ولا يتقاضى مليمًا، بل يساهم من ماله ووقته ومجهوده، ومرتبات الموظفين اللي شغالين في المؤسسة ليس فيها أي مغالاة …ومن الحاجات الحلوة اللي بنفخر بيها في المؤسسة هي الشفافية التامة في التعامل مع المتبرعين، من أول ما بدأنا المشروع بننشر التبرعات وايصالات المتبرعين، وكمان بننشر الميزانية السنوية و كل ما نتلقاه من تبرعات على الموقع الرسمي، كمان بنقدّم كشف حساب، وبنخطر المتبرعين بالتطورات الجديدة باستمرار، وليس لدينا مانع إن أي حد ييجي يشوف كشوف المرتبات وكل الدفاتر والأوراق والمستندات الخاصة بنا».

 

استمرار «مؤسسة 25 يناير» في تقديم الأعمال الخدمية الطبية المجانية لأهل محافظة الشرقية، تحديدًا في ظل وباء يجتاح العالم مرهون باستمرارية التبرع، وأيضًا التطوع من العاملين في المجال الطبي، ولذلك يوضح الجارحي أهم ما يحتاج للتبرعات في الوقت الحالي بقوله: «أجهزة التنفس الصناعي وأدوات الحماية والوقاية للفرق الطبية وتحمل تكاليف التحاليل والأشعة والأدوية لحالات العزل المنزلي لأن أغلب الأدوية غير متوفرة ومع غياب الوعي أحيانًا قد تتسبب حالة واحدة مصابة في كارثة بقرية بأكملها خاصة في ظل اعتبار الأهالي مرض كورونا وصمة عار».

 

أحيانًا تظهر بعض التحاملات على «مرسال» و«مستشفى 25 يناير» وتحديدًا على الشخصين المسؤولين عن المؤسستين؛ هبة راشد ومحمد الجارحي، علاوة على بعض الانتقادات بالتقصير في الاستجابة، أو طول قوائم الانتظار، وغيرها من الأمور المتعلقة بشكاوى أهل المرضى، وهو ما يتطلب التساؤل حول كيفية تحقيق الخدمات الطبية المقدمة عن طريق المؤسستين رضا المرضى كافة وأهلهم في ظل انتشار وباء؟ 

 

المشاركة المجتمعية ودور المجتمع المدني في محاربة وباء كورونا شيء لابد منه. ولكن يقول الجارحي إن ذلك يتطلب التفهم من قِبل أفراد المجتمع أن طاقة العاملين في تلك المؤسسات لا تختلف عن طاقة الفرق الطبية المُكلفة بالتعامل المباشر مع المرضى، في الوقت الذي أصبحت فيه أطواق الجهات المسؤولة فعليًا عن النجاة خارج نطاق خدمة العديد من المرضى

 

إقرأ المقال كاملاً على موقع مدى